أَوَّل قَاتَل مُتَسَلْسِل فِي أَمْرِيكا ، اسْتَطَاع بمكر قُتِل مِئَتَي امْرَأَة بِطُرُق وَحْشِيَّةٌ
هنري هولمز
كتب : أحمد الرفاعي
دَاخِلٌ قَاعَة الْمَحْكَمَة وَسَط حَشَد مَهِيب مِنْ أَهَالِي الضَّحَايَا ، يَقِف “هنري” دَاخِلٌ الْقَفَص يَبْتَسِم بِفَخْر وَقَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ القَاضِي بِالحُكْمِ قَال : لَقَد وَلَدَت وبداخلي شَيْطَانٌ .
عَام 1861م ، وَلَد “هنري هولمز” وَقَد عَانَى فِي طُفُولَتِهِ مِنْ أَبِيهِ الَّذِي كَانَ يُدْمِن الْخَمْر ودائمًا يُسِيء مُعَامَلَتِه وَأُمِّه المتشددة دينيًا ، الَّتِي كَانَتْ تعاقبه أَشَدّ أَنْوَاع الْعِقَاب عِنْدَمَا لَا يَذْهَبُ إلَى الْكَنِيسَة
حَيْث تَأْخُذُه إلَى القبو وَتَقُوم بِجِلْدِه بَعْدَ أَنْ تَجَرُّده مِنْ مُلَابَسَةِ ، وَبِسَبَب تِلْك الْمُعَامَلَة صَنَعْت بِدَاخِلِه طِفْل مُشَوَّشٌ ، ضَعِيفٌ .
وَعِنْدَمَا كَانَ فِي الْمَرْحَلَةِ الثَّانَوِيَّةَ قَالُوا لَهُ أَصْدِقائِه : أَنْتَ كُنْتَ حقًا قويًا ، أَثْبَت لَنَا ذَلِكَ وَأَذْهَبُ إلَى المدافن وَأَخْرَج لَنَا هَيْكَل عَظْمِي .
وَبِالْفِعْل ذَهَب “هنري” إلَى المدافن ، فِي بِدَايَةِ الأمْرِ كَانَ الْخَوْفُ يسيطر عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُمْ أَنَّهُ شُجَاعٌ ، فَأَمْسَك الْفَأْس وَقَام بتهشيم مَدْفِن وَأَخْرَجَ مِنْهُ هكيل عَظْمِي ، الْعَجِيب أَنَّهُ شِعْرٌ بساعدة لَمْ يَشْعُرْ بِهَا مِنْ قِبَلِ وَأَصْبَح لَدَيْه شَغَف اتِّجَاهٌ الْمَوْت .
لِذَلِك أَرَادَ أَنْ يَلْتَحِقَ بِكُلِّيَّة الطِّبّ وَلَكِن مَجْمُوعِه قَدْ أَدْخَلَهُ كُلِّيَّةٌ الصيدلةـ وَبَعْد تُخْرِجُه كَان يَبْحَثُ عَنْ أَيِّ وَسيِلَةٍ لِمُمَارَسَة هُوِيَّتِه المحببه ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ مَدِينَة “شيكاغو” سَوْف تُقِيم مِهْرَجَان لتحتفل بِبِنَاء مَدِينَة كَامِلَة مَبْنِيَّةٌ عَلَى التِّرَاز الأوروبي الْقَدِيمِ فِي عَامٍ 1893م
وَقَدْ أَطْلَقَ عَلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ “المدينة البيضاء” بِسَبَب غَلَبَة الَّلوْنِ الأبْيَضِ عَلَى مَبَانِيهَا ، فَذَهَب “هنري” إلَى الْمَدِينَةِ وَهُنَاك تُعَرِّفَ عَلَى رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ أَرْضِه ، فَأَخَذ الْأَرْضَ مِنْهُ بِثَمَنِ رَخِيصٍ بَعْدَ أَنْ نَصْبَ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ أَرْضُهُ لَا تُسَوّى سِوَى ذَلِكَ السِّعْر
وَقَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ بَعْضُ الْأَشْخَاصِ عَلَى أَنَّهُمْ مشترين وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنَّ يَشْتَرُوا أَرْضِه بِثَمَن أَقَلُّ وَفِي النِّهَايَةِ وَافَقَ عَلَى أَنَّ يَبِيعَهَا “لهنري” ، بَعْد شُهُور أَصْبَح صَاحِب صَيْدَلِيَّة ، فَأَصْبَحَت مَلاذ لمرضى الْمَدِينَة ، وَهُنَا بَدَأ يُمَارِس خططته الشَّيْطَانِيَّة ، حَيْثُ إنَّهُ كَانَ يَمْزُج الدَّوَاء بِالسُّمّ وَتَسَبَّب ذَلِكَ فِي حُدُوثِ الْكَثِير وَالْكَثِيرُ مِنْ الْوَفَيَات وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَشُكَّ بِهِ أَحَدٌ
وَبَعْدَ أَنْ رَبِحَ ثَرْوَةً طَائِلَةً مِن دَوَائِه الْمَسْمُوم ، قَامَ بِنَفْسِهِ بِبِنَاء فُنْدُق مِنْ ثَلَاثَةِ طَوَابِق ، ويحتوي عَلَى غَرَف وَأَبْوَاب سَرِيّة وحجرات تَعْذِيب معزولة دَاخِلٌ ممرات مُخْفِيه ، وَفِي كُلِّ عَامٍ كَان يتصيد الزائرات أَثْنَاء الْمِهْرَجَان
وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ كَانَ يُنَبِّهْ عَلَى الْخَدَم بِعَدَم الاقْتِرابِ مِنَ الْغُرَفِ والممرات السِّرِّيَّةِ وَإِنْ يَمْنَعُوا كُلّ زَائِر يَقْتَرِب مِنْهَا ، فَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ سِوَى تَنْفِيذ أَوَامِرِه ، وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ كَانَ يُرْسِلُ مَع أَخْدُم مَشْرُوب مَمْزُوجٌ بِمَادَّة مُنَوِّمَةٌ إلَى النزيلات وَبَعْد دَقَائِق كَان يَتَسَلْسَل إلَى أَدْخَل غُرْفَتِهَا ثُمّ يَحْمِلُهَا ويصطحبها عَبَّر مَمَرّ سِرِّي إلَى دَاخِلِ غَرْفَة التَّعْذِيب
فَلِكُلّ غَرْفَة فِي الْفُنْدُقِ كَان بِدَاخِلِهَا مَمَرّ سِرِّي ، وَبَعْدَ أَنْ يصطحبها، ثم جردها مِن ملابِسَها وَيَقُوم بِوَضْعِهَا عَلَى طَاوَلَه ثُمّ يكبل يَدَيْهَا وَقَدَمَيْهَا وَيَضَع قِطْعَةٌ مِنْ الْقُمَاشِ عَلَى فَمِهَا ، مبلله بِمَادَّة لاصَقَه وَيَنْتَظِر الضَّحِيَّة حَتَّى تستفيق
ثُمّ يَعْتَدِي عَلَيْهَا لِيَفْرُغ شَهْوَتَه الْجِنْسِيَّة ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي وَقْتُ التَّعْذِيب ، فَيَقُوم بِسَلْخ جَسَدِهَا مستمتعًا بِصَوْت أنينها وَبَعْدَ ذَلِكَ يُمْسِك بِالْمِنْشَار وَيَفْصِل رَأْسِهَا ثُمَّ يطعها إلَى أَجْزَاءٍ وَيُلْقِي بِهِم دَاخِلٌ وِعَاءٌ يَحْتَوِي عَلَى حَمُض الهيدروكلوريك
وَقَدْ ارْتَكَبَ جَرَائِمِه بِتِلْك الطَّرِيقَة ، بمكر شَدِيدٌ ، حَيْثُ إنَّهُ يَصْطَادُ مِنْ تَأْتِي إلَيْهِ وَحَيْدَة دُون أصدقائها ، حَتَّى لَا يتعجبوا عَنْ سَبَبِ أختفائها .
وَاسْتَمَرَّ فِي ارْتِكَابِ جَرَائِمِه لاعوام وَلَكِنْ فِي عَامٍ 1896م ، قَبَضَتْ عَلَيْهِ الشُّرْطَة بِسَبَب قَضِيَّة نَصَب عَادِيَة ، وَلَمَّا عَلِمْت الشُّرْطَة بِأَمْر فَنْدَقَة ذَهَبَت لتتحري عَنْه ،
فَأَخْبَر الْخَدَم ، رَجُلٌ الشُّرْطَة : أَن “هولمز” قَد مَنْعُهُم أَن يقتربوا مِن ممرات وَغُرَف سَرِيّة .
بَدَأ رِجالُ الشُّرْطَةِ يَقْتَحِمُون تِلْكَ الْمَمَرَّاتِ وَعِنْد أقتحامهم للغرف ، صُعِقُوا مِمَّا شاهدوه ، فِي كُلِّ غَرْفَة كَانَت أرضيتها ملطخة بِالدِّمَاء وَجِلْد بِشَرَّي مُعَلَّقٌ عَلَى الْجُدْرَانِ وَبَقَايَا لِأَعْضَاء بَشَرِيَّة عَلَى الْأَرْضِ وَفِي إحْدَى الْغُرَفِ ، عَثَرُوا عَلَى رَأْسِ امْرَأَةٍ دَاخِلٌ وِعَاءٌ
وَعِنْدَمَا واجهوه ، اعْتَرَف بِكُلّ فَخْر بِجَرَائِمِه وَأَثْنَاء مُحَاكَمَتَه ، حَكَى لِلْقَاضِي بِاسْتِمْتَاع عَن الْأَسَالِيب الَّتِي نفذها فِي جَرَائِمِه وَعَن مُزِج الدَّوَاء بِالسُّمّ ، فَحُكِمَ عَلَيْهِ بالشنق حَتَّى الْمَوْت، وَبِذَلِك تَنْتَهِي حِكَايَة أَوَّل قَاتَل مُتَسَلْسِل فِي أَمْرِيكا